195 ـ تيودور هيرتزل (1860 ـ 1904م)

يهودي نمساوي، ومؤلف مسرحي، مؤسس الصهيونية السياسية، وزعيم الحركة الصهيونية، وكانت هذه الحركة تهدف إلى إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين. ولد تيودور هيرتزل في بودابست في المجر، وكان الابن الوحيد لتاجر ثري، تلقى تعليمه في مدرسة ابتدائية يهودية، ثم التحق بمدرسة ثانوية، وحينما انتقلت أسرته إلى فينا درس القانون، وكان شديد التعلق بوالدته منذ صغره، وكانت شديدة التأثير عليه. وجعلته والدته ينشأ على تصور من ينتدب نفسه لتحقيق عظائم الأمور، ويحلم بأنه صاحب رسالة عليا في الحياة.

وقد حققت أسرته قدراً من الاندماج مع المجتمع، فنشأ متأثراً بالثقافة الألمانية، وإن ظلت فيه بقايا راسخة من التراث اليهودي التقليدي، أما ثقافته العبرية فقد اتسمت بالضعف طوال حياته. ويقال عنه أنه متأثر بسفر الخروج وعقيدة الماشيح المخلص، غير أن الطابع الغالب للعصر أدخل بعض العناصر العلمانية على رؤاه. وكان هيرتزل يرى أن اليهود الأوربيين قد فشلوا في الحصول على المساواة الاجتماعية حتى وإن كانوا قد صاروا أحراراً من الناحية السياسية، لذلك لاحت له فكرة جمع اليهود المشتتين في بلد واحد، وأن تكون لهم دولة خاصة بهم، وأن تكون يهودية هذه الدولة غير معتمدة على الجوانب الدينية أو الإخلاص لليهودية وفضائلها، وإنما يجب أن تعتمد على الشكل القومي اليهودي. وقد كان مثل هذا التبني من قبل هيرتزل نقطة التحول في أهداف الحركة الصهيونية.

وقد اشتغل هرتزل بعض الوقت بالمحاماة، ثم الصحافة، وكتب عدة قصص قصيرة ومسرحيات، وتعالج بعض هذه الأعمال، الموضوعات الصهيونية المألوفة، وقد أثار كتابه "الدولة اليهودية" الذي نشر عام 1896م، انتباه الكثير من الأشخاص إلى القضية الصهيونية، حيث رفض في كتابه فكرة ذوبان اليهود في ثقافات الدول التي يعيشون فيها، ودعا اليهود أن يوحدوا جهودهم ويبنوا دولة خاصة بهم. وقد رأى أن المكان الأمثل لتحقيق هذا المشروع هو أرض فلسطين، بالرغم من أنه لم يستثن إمكانية قيام الكيان اليهودي في الأرجنتين أو أوغندا أو قبرص أو سيناء حول العريش. ومن أجل ذلك اقترح تشكيل شركة يهودية تكون مسئوليتها اكتساب أرض فلسطين، ويمولها أثرياء اليهود، وأن يقوم فقراء اليهود بزراعة الأرض وإيجاد مناخ يغري الآخرين من الطبقات الأخرى للاستيطان. وفي عام 1897م ترأس أول مؤتمر صهيوني في بازل في سويسرا، وكان من أهم قراراته وضع برنامج الحركة الصهيونية للاستيلاء على فلسطين، ووضع أسس المنظمة الصهيونية العالمية. وقد اكتشف هيرتزل منذ بداية نشاطه أنه لابد من الاعتماد على دولة استعمارية كبيرة لتحقيق مشروعه هذا وكانت بريطانيا هي تلك الدولة التي صادقن على فكرة قيام وطن قومي يهودي في فلسطين وعملت بشتى الطرق على تنفيذه وفي سبيل ذلك صدر وعد بلفور وعملت بريطانيا كذلك على تسهيل الهجرة لفلسطين وتقديم العم المادي والسياسي والعسكري لليهود، وقد نجح هيرتزل في وضع الأسس الأولي للدولة اليهودية في فلسطين عن طريق إرهاب شعبها العربي الفلسطيني وطرده منها.

وكان هيرتزل قد تزوج من جولى نتشاور، ولكنه لم يكن زوجاً موفقاً، بسبب ارتباط هيرتزل الشديد بأمه، وعدم حماس زوجته لتطلعاته الصهيونية، وانفصلا بعد أن أنجبا ثلاثة أطفال. وفي يوليو عام 1904م، أصيب هيرتزل بانهيار جسدي مفاجئ، وكان في هذيان الموت الأخير يعتقد أنه مازال يتكلم أمام المؤتمر الصهيوني، وأحياناً أخرى يهذي بكلام كأنه يباشر تنفيذ مخططه في أرض فلسطين. وقد اختفى نسل هيرتزل نهائياً، بانتحار حفيده الوحيد من ابنته الصغرى بإلقاء نفسه في النهر. وكانت كبرى بناته بولين (1890 ـ 1930م) مختلة عقليا فطلقت من زوجها، وانحرفت أخلاقياً وأدمنت المخدرات، وأخوها هانز (1891 ـ 1930م) فقد أصيب بخلل نفسي واكتئاب شديد ثم تحول إلى المسيحية، وانتحر يوم وفاة أخته، أما الابنة (الصغرى) الثالثة والأخيرة فقد ترددت على كثير من المصحات حتى ماتت عام 1936م.